عزة الشيخ أحمد: قصة تحرك المكان
"قصة عزة وغزة" هو عنوان المعرض الأول التي أقامته عزة لأول مرة في غزة. فعزة التي تأثرت أسلوبياً بالفنان الفلسطيني كامل المغني وأسلوبه التكعيبي الذي يعكس الأطراف والزوايا، إنما هي تتابع رحلتها بإضافة أجواء تشبه الحكايا الأسطورية والتراثية، حيث تعطيها عزة انسياباً يتركنا ننسجم في تأويلاتها المتعددة. وهنا يبدو، أيضاً، أن الفنانة تحمل قصة غزة في ملامح المرأة التي ترسمها. فعزة وغزة واحدة، فقد أصبحت المدينة المرأة سردية الفلسطيني مثل أرض صلبة مزخرفة بآثار المكان وتاريخه.
وهذا هو السبب في اختيار عزة أن تتأثر بطريقتها ببيكاسو لتنقل آثاره التكعيبية إلى ملامح الوجوه الملونة. لأن غزة الحزينة كانت تحفز داخلها شغف الألوان والبراءة. فعزة، أيضاً، مختصة بالتربية الفنية وفي عملها كمشرفة تربوية لا بد أنها نقلت خبرة جديدة إلى اختيارها الفضاءات الملونة والطفولة المختبئة التي تحفز الخيال لسرد محتمل، وكأنها قصة يرويها كل متلق دون أن يكون هناك احتمال وحيد. فعندما نطالع الأعمال، تحضر شخصيات طفولية وأحصنة وتلك الخطوط والتفاصيل التي تحكي، أيضاً، عن هوامش لا تقولها الصور ولا الشاشات.
ففي فنها ذاك السؤال عن الحكاية. وربما بشكل أخص الحكاية الشخصية داخل إطار جماعي نراه هنا مفتوح على قصص وخيالات، وليس مغلقا بالقهر. قد تكون بيئة عزة قد تأثرت بالفنان المصري حلمي التوني وأجوائه الطفولية، رغم أنها إشارة، أيضاً، أنها من سلالة فنانين تمسكوا بالنقوش والتراث العربي المصري التي لم تغب معالمه في لوحاتهم، لأن للمكان لغته التي من الصعب أن تنفصل كلياً عن الجغرافيا.
و هنا، يبدو السؤال واضحاً: إلى أي حد تحركت أعمال عزة لتنزح مثلها بعد الإبادة؟ أم أن جغرافيا المكان لا يمكن أن تفقد روحها ومعالمها التي تنتمي لفلسطين والعالم العربي وحتى الثقافة الإنسانية؟ وعندما فقدت أعمال عزة في الإبادة الجماعية المستمرة، انتقلت في مكان نزوحها إلى الرسم بالأبيض والأسود. فهل تغير المكان في اللوحة بفعل الإبادة؟ هل لوحاتها بالأبيض والأسود هي تلك النسخة المتبقية بعد الدمار؟ توحي لوحاتها الأخيرة أن فقدان اللون قد يكون حالة جديدة وإبداعية في حياة الفنانة التي تحيا الإبادة. فما زالت الخطوط تواجه كل شيء في طريقها، وكأنها حتما سترسم ملامح الشخصية الحالمة وهي تعيش الحرب.
فالأجواء الملونة الغائبة التي كانت تستعين فيها الفنانة كي ترسم المكان كما هو داخلها، فقد كانت، أيضاً، أداة لمقاومة أجواء الحزن. لكن الأبيض والأسود لا يبدو وأنه يتخلى عن تلك الأداة، بل هو يقول لنا: لا زالت غزة هي عزة، ولو أنها تفقد طبقة مزهرة من أرضها، قد تسقيها الفنانة مجدداً يوما ما، غير أن هناك جزءاً لا يغيب أبداً، وهو هويتها وهوية المكان؛ غزة. وحتى إن غابت، أيضاً، تلك الشخصية، كما في إحدى أعمالها المفقودة عام 2023، حصان طروادة. سيأتي الحصان من التاريخ، يرقص مع حروف عربية تملأ المكان في حركة خاصة بأسلوب عزة. ليقول إن هويتها متجذرة فيما وراء الملامح والأشخاص.
وهذا بالتأكيد ينبهنا أن عملنا في أرت زون فلسطين، هو السؤال عن معنى هذه القطع الفنية وقد بقيت على قيد الحياة كصور حية، ربما ما يقدر على إعادتها إلى مكانها، وهو تأمل المكان فيها، وإلى أي درجة تحذر اليد التي تمحو بأنه سترتسم مجددا، وتعود إلى حركتها.
لمشاهدة كافة أعمال الفنانة عزة الشيخ أحمد التي دمرت في حرب الإبادة على غزة ، اضغط هنا
تغريد عبد العال
شاعرة وكاتبة فلسطينية تقيم في لبنان
نُشِر بتاريخ ٢٦-١٢-٢٠٢٤